السلام عليكم و رحمة الله و بركاتهإن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.. أما بعد:
فإنه مع طغيان موجة الموضة والأزياء، وانتشار عدواها في سائر الأرجاء، أصبح النساء مولعات بأضوائها، ملازمات لإنتاجها، متابعات لقواعدها.. حتى ولو كانت مخالفة للنصوص الشرعية.
ومن المخالفات التي يقع فيها بعض النساء في هذا الخصوص: النمص. أختي المسلمة: ونحن في هذه السطور نبين لك خطورة هذه المخالفة على دينك ودنياك، وما لها تأثير سلبي على إيمانك وشخصيتك وصحتك. فما هو النمص؟ وما حكمه في الشرع؟ وهل له تأثير على الصحة؟
فالنمص: هو نتف شعر الوجه، وهو وإن كان يطلق في الغالب على نتف شعر الوجه عامة إلا أنه يغلب على القصد منه نتف شعر الحاجب لغلبة فعله. لذلك إذا قيل: النمص، فالغالب أن يقصد به القص من شعر الحواجب أو نتفها أو التخفيف منها أو الحلق منها.
حكمه الشرعي: لقد وردت نصوص كثيرة تدل على تحريمه تحريماً بيّناً، فمن ذلك: قول الله جلَّ وعلا: إِن يَدعُونَ مِن دُونِهِ إِلا إِنَاثاً وَإن يَدعُونَ إِلا شَيطَاناً مَّرِيداً (117) لَّعَنَهُ اللهُ وَقَالَ لأُتَّخِذَنَّ مِن عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفرُوضاً (118) وَلأُضِلَّنَّهُم وَلأُمَنِّيَنَّهُم ولآمُرَنَّهُم فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنعَامِ وَلآمُرَنَّهُم فَلَيُغَيِرُنَّ خَلقَ اللهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيطَانَ وَلِيّاً مِّن دُونِ اللهِ فَقَد خَسِر خُسرَاناً مُّبِيناً (119) يَعِدُهُم وَيُمَنِّيهِم وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيَطانُ إِلا غُرُوراً (120) أُوْلَئِكَ مَأوَاهُم جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنهَا مَحِيصاً [النساء:117-121].
ووجه الدلالة من الآية أن الشيطان عدو لله قد أخذ على نفسه عهداً بإضلال الناس عن الهدي ومن بين أعماله في ذلك أن يأمرهم بتغيير خلق الله، لآمُرَنَّهُم فَلَيُغَيِّرنَّ خَلقَ اللهِ ، والنمص فيه تغيير للخلقة الأصلية لأن الوجه ومنه الحواجب قد خلقه الله جلَّ وعلا في أحسن تقويم، كما قال تعالى: لَقَد خَلَقنَا الإِنسَان فِي أَحسَنِ تَقوِيمٍ [التين:4]، والنامصة حينما تقوم بحف حواجبها أو قصها أو نتفها أو نتف شعر وجهها فهي بذلك تقع في مصايد الشيطان، ومكايده وتكون من المغيرات خلق الله.
وفي الحديث عن ابن مسعود قال: { لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله }، فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب فجاءت فقالت: ( إنه بلغني أنك لعنت كيت وكيت ) فقال: ( ومالي لا ألعن ما لعن رسول الله وهو في كتاب الله؟ ) فقالت: ( لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول! ) فقال: ( لو كنت قرأتيه لوجدتيه، أما قرأت: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُم عَنهُ فَانتَهُواْ [الحشر:7] )، قالت: ( بلى )، قال: ( فإنه قد نهى عنه )، قالت: ( فإني أرى أهلك يفعلونه! ) قال: ( فاذهبي فانظري ) فذهبت فنظرت فلم تر في حاجبها شيئاً، قال: ( لو كانت كذلك ما جامعتها ) [رواه البخاري ومسلم].
ففي هذا الحديث وعيد شديد لكل متنمصة أو نامصة، ألا وهو اللعنة التي هي الطرد من رحمة الله.
أختي المسلمة: فانظري أي جناية تجنيها على نفسها من تقدم على هذه المخالفة.. إذ يكلفها نزع شعيرات من هنا أو هناك في وجهها.. يكلفها ذلك حرماناً من رحمة الله سبحانه.. ومن حرم الرحمة أدركه - ولابد الشقاء - وتحريم النمص هو الذي عليه العلماء.
قال العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: ( لا يجوز أخذ شعر الحاجبين، ولا التخفيف منهما، لما ثبت عن النبي أنه لعن النامصة والمتنمصة، وقد بيَّن أهل العلم أن أخذ شعر الحاجبين من النمص ) [فتاوى المرأة:167].
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: ( التجميل ينقسم إلى قسمين: أحدهما ثابت دائم، مثل: الوشر والوشم، النمص.. فهو محرم بل من كبائر الذنوب لأن النبي لعن فاعله.
الثاني: ما كان على وجه لا يدوم، فإنه لا بأس به مثل التجميل بالكحل والورس لكن بشرط أن لايؤدي هذا إلى محظور شرعاً مثل أن يكون فيه تشبه بالنساء الكافرات، أو أن يكون ذلك من باب التبرج.. فإن هذا يكون محرماً لغيره لا لذاته ) [زينة المرأة بين الطب والشرع:42 ].
وقال العلامة الشيخ عبدالله بن جبرين: ( لا يجوز القص من شعر الحواجب ولا حلقه ولا التخفيف منه، ولا نتفه، ولو رضي الزوج، فليس فيه جمال، بل تغيير لخلق الله وهو أحسن الخالقين، وقد ورد وعيد في ذلك، ولعن من فعله، وذلك يقتضي التحريم ) [فتاوى المرأة:170].
خطورة النمص على الصحة:يقول الدكتور وهبة أحمد حسن: ( إن إزالة شعر الحواجب بالوسائل المختلفة ثم استخدام أقلام الحواجب وغيرها من " مكياجات " الجلد؛ لها ثأثيرها الضار، فهي مصنوعة من مركبات معادن ثقيلة.. إلى أن قال: إن إزالة شعر الحواجب بالوسائل المختلفة ينشط الحلمات الجلدية، فتتكاثر خلايا الجلد، وفي حالة توقف الإزالة ينمو شعر الحواجب بكثافة ملحوظة، وإن كنا نلاحظ أن الحواجب الطبيعية تلائم الشعر والجبهة واستدارة الوجه ) [المتبرجات للزهراء فاطمة بن عبدالله:94].
أختي المسلمة: إن هذه المخاطر التي تتمخض عن نمص شعر الوجه، ونتف الحواجب لتوقف كل مؤمنة عاقلة على ضرورة مراجعة نفسها كما تنذر كل مقبلة على النمص وتدق لها ناقوس الخطر..
إن مخاطر النمص تشمل دين المسلمة ودنياها.. إنه يهدد إيمانها لأنه من إيحاءات الشيطان ووساوسه وحبائله لآمُرنَّهُم فَلَيُغَيرُنَّ خَلق اللهِ ، كما يهدد صحتها وجمالها لأنه مضر كما تبين للأطباء ولأن جماله مخالف للطبيعة الخلقية التي فُطر على استحسانها الناس.
وإليك أخية أسباب وقوع النساء في هذا المحظور: الإفتتان بالموضة: فالموضة لا تقتصر في غزوها على اللباس بل أصبحت تغزو النساء في كل ما يتعلق بحياتهن حتى أجسادهن.
فالنمص مثلاً يُعد من متطلبات الموضة الحديثة.. تتغير أشكاله.. بل ألوانه من وقت لآخر.. وهنا حين تُفتن الأخت المسلمة بهذه البدعة المحدثة.. وتضعف شخصيتها أمام دعايات الأزياء والموضة تصبح عبدة لتلك الدعايات.. مولعة بمسايرة ركبها.. فعلى سبيل المثال: سادت في أوائل هذا القرن موضة الحواجب الثقيلة، حيث كانت المرأة تستخدم قلماً خاصاً يعطي لوناً أسود، فتخطط به حول حاجبيها لتبدو أكبر وأكثف مما هي عليه.. وبعد ذلك بزمن سادت موضة التنمص: وهي إزالة الشعيرات النافرة عن خط الحاجب، فانتهت بظهور موضة الحواجب الكثيفة.. ثم ظهرت بعدها الحواجب الرفيعة المقوسة.. التي تجعل المرأة تبدو كالمندهشة.. فضلاً عن أنها تبدو أكبر من سنها الحقيقي..
تروي إحدى الأخوات مشهد رأته بعينها يدل على افتتان النساء بالموضة، تقول: ( لقد رأيت ذات مرة فتاتين تقلبان في مجلة ألمانية للأزياء فرأيت إحداهن قد توقفت عن التقليب وهي تقول لزميلتها: ألم يلفت نظرك شكل حواجب عارضات الأزياء.. إنها متروكة كما هي.. تأملي معي هذه الصورة.. لابد أن الموضة الآن هي الحواجب الطبيعية! !
فأخذت الأخرى تحدق في الصورة بشدة ثم قالت: صحيح.. ما أجملها! ) [الموضة في التصور الإسلامي للزهراء فاطمة بنت عبدالله:142].
أختي المسلمة: إن قضية الموضة والأزياء تعتبر من الفتن التي تهدد عفة النساء، فاحذري من الانجراف وراءها فهي لا تعترف بالقيود الشرعية، ولا بالأصول العرفية وأغلبها تأتي من دول الغرب الكافرة، وقد حذرنا رسول الله ، من اتباع سنن اليهود والنصارى، وإن من سننهم: النمص والوشم والوشر كما هو حال نسائهن وعارضات الأزياء، قال رسول الله : { لتتبعن سَنَنَ من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى إذا دخلوا جحر ضب دخلتموه }. قالوا: ( اليهود والنصارى ). قال: { فمن }.
الرغبة في الجمال: وهناك من الأخوات من تقدم على النمص طلباً للجمال والحسن، وهذا لا يسوّغ لهن ذلك لأن الجمال على درجات ولو أطاعت الفتاة هواها في طلب الجمال لوقعت في مخالفات كثيرة لا حصر لها.
يقول العلامة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: ( التجميل نوعان: تجميل لإزالة العيب الناتج عن حادث أو غيره، وهذا لا بأس به ولا حرج فيه، لأن النبي أذن لرجل قُطعت أنفه في الحرب أن يتخذ أنفاً من ذهب.
والنوع الثاني: هو التجميل الزائد، وهو ليس من أجل إزالة العيب بل لزيادة الحسن، وهو محرم ولا يجوز، لأن النبي لعن النامصة والمتنمصة، والواشمة والمستوشمة.. كما في ذلك من إحداث التجميل الكمالي الذي ليس لإزالة العيب.. ) [فتاوى المرأة لمحمد عبدالعزيز المسند:215].
طاعة الزوج: وهناك من الأخوات من تقع في النمص بطلب أو أمر من زوجها لكونه يحب ظهورها بمظهر أجمل، وهذا مخالف للشرع فإنه كما قال : { لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق }.
فطاعة الزوج واجبة على الزوجة في المعروف، وليس من المعروف أن تقع في النمص الذي يوجب لها العنة والطرد من رحمة الله.
أختي المسلمة: اعلمي أن الله جلَّ وعلا لم يُحرم عليك الزينة مطلقاً، وإنما جعلها مقيدة بما يحفظ عليك مصالح الدنيا والآخرة، فما حرّمه الله من الأمور في الزينة إنما حرمه لما فيه من الضرر الأكيد سواء أدركته عقولنا القاصرة أم لا.
ولقد تبين لك في هذا الكتاب ضرر النمص على المسلمة في الدنيا والآخرة.. فصوني نفسك عن هذه المخالفات المحدثة.. فإن جمالك يزداد بطاعة الله.. ونورك يسطع بعبادة الله..
ولك في ما أحلَّه الله من الزينة غنية وكفاية.. تذكري أن الوجه سيبلى.. والخدود سيأكلها الدود.. والجسد كله سيفنى.. ولا يبقى لك في القبر إلا ما قدّمت من عمل صالح.. وفقك الله لما يحب ويرضى..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.